في ذكرى فرانز فانون وفي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني
نَستَلهِم من « معذبو الأرض » لإنهاء عذاب فلسطين
أمير مخول
إحدى السمات البارزة والى حد ما، المهيمنة لدى النخب السياسية والاكاديمية، في استعراض الخطاب الفلسطيني، هي الاكثار من الاستعارة بتجارب جنوب افريقيا وايرلندا، وفيما يخص فلسطيني الـ 48 تضاف اليهما تجربة مقاطعة كويبك في كندا في اشارة الى حقوق « الاقليات ».
ومن دون شك، فان التجارب المذكورة هي محورية في حراك الشعوب والحراك العالمي المساند. كما ان تجربة اسقاط نظام الفصل العنصري (الابارتهايد) في جنوب افريقيا تعتبر من ابرز التجارب في العقود الاخيرة ومن اكثرها الهاما للشعوب وبالذات للشعب الفلسطيني. ويعزز هذا المنحى كون في نظام الابارتهايد كان الحليف الاقرب لاسرائيل.
ان هذه المقارنة هي بحد ذاتها مهمة، وهي مفيدة بقدر ما يحسن الفلسطينيون استخدامها واستخلاص العبر منها في الكفاح الفلسطيني لكن دون التمترس بها والتشبه الى نموذج واحد.
وفي هذه المقالة لا اسعى للخوض في صلب التجارب المذكورة، وانما السعي لادراك ما يقف وراء مسلك النخب الفلسطينية في هذا الصدد مستلهما من فرانس فانون.
هناك ميزة اخرى تتقاطع مع السابقتين وهي انه كلما تعاملنا مع القضية الفلسطينية بشكل مجزأ ومختزل، تزداد الحاجة للتبرير « المنطقي » للاستعانة بالضرورة بتجارب أخرى في تشخيص الحالة الفلسطينية. والميزة المكملة هنا، هي انه كلما تراجع النضال الفلسطيني التحرري الشامل او تجزأ أو تشتت، فانه يتسارع التفتيش عن نماذج عالمية لشعوب اخرى، ويستحوذ هذا المنحى على الجهود، اكثر نسبيا مما يبذل من جهود على استنهاض المشروع الكفاحي التحرري في فلسطين. وان تجارب الشعوب مفيدة بالأساس اذا كان الشعب يناضل ولديه مشروع نضالي هادف يوظف تجربة شعوب اخرى فيه.
في موازاة المناحي المذكورة هناك استثناء شبه كامل وتجاهل للتجارب العربية وتجارب
العالم الثالث والمقصود ثورات التحرر الوطني والقومي من الاستعمار في اواسط القرن العشرين الماضي. وما نشهده اليوم ان اهمال هذه النماذج من كفاح الشعوب، يأتي في سياق اهمال وعملية « فك ارتباط » ذهني عند النخب الفلسطينية المذكورة بين النضال الفلسطيني والبعد العربي الاقليمي التحرري والتحريري.وباعتقادي ايضا، ان من يقف وارء هذه الاستعارة والاكثار من « تعلم التجارب » ووارء الخطاب الفلسطيني المشوش ذاتيا والمشوش للاخرين، هو اذعان نخب فلسطينية مهيمنة الى توازن القوى المحلي والعالمي وانعكاساته الحالية في المنطقة كأمر ثابت وليس متغيرا، واعتماد هذا الاذعان كموقف سياسي يكاد يكون مبدئيا وكما لو كان « مشروعا وطنيا ». اما مضمونه فهو عمليا التنازل عن معركة التحرير والتحرر الوطني والقومي لصالح مشروع « دولة » على حساب جوهر الحق الفلسطيني. فلا حديث عن السعي لتغيير توازن القوى بل إخضاع الحق الفلسطيني له ».
ان احدى التجليات الرئيسية لهذه الحالة هي التنازل عن التعامل مع القضية الفلسطينية كمسألة ومشروع تحرر وطني من الاستعمار، وقرار النخب المذكورة الامتناع عن تعريف اسرائيل- كما جوهرها اي ككيان استعماري استيطاني احتلالي عنصري قائم على التطهير العرقي والنهب، وعمليا هذه هي مجتمعة تشكل المشروع الصهيوني في فلسطين في حين تستعيض النخب عن ذلك باختزال مفهوم الاحتلال في نتائج عدوان 1967 والتغاضي عن المشروع الاحتلالي الاستعماري الاساسي في فلسطين والذي بلغ ذروته في احتلال 1948 والتطهير العرقي ونكبة الشعب الفلسطيني.
حسب المنطق التجزيئي فان التخلص من احتلال 1967 هو في نهاية المطاف بانسحاب الاحتلال الى حدود الرابع من حزيران ومعه المشروع الاستيطاني. والمقصود هنا انه حتى لو تحقق هذا التحول الهائل، فلن يمس بجوهر اسرائيل الاستعماري الاستيطاني العنصري. كما ان مشروع مكافحة التمييز العنصري الممؤسس في اسرائيل تجاه المواطنين العرب الفلسطينيين، ينعكس في « أحسن الأحوال » بالغائه لكن ضمن النظام القائم. اما التخلص من الاستعمار فهو بتصفية الاستعمار والتحرر الوطني وتحرير الشعب.
هكذا فبالنسبة الى الفلسطينيين فان من يريد ان يلعب او يحصر دوره في حدود الجزء يصبح الجزء كما لوكان هو الكل بالنسبة له، وهذا « الكل » المختزل يصبح منفصلا عن الجوهر- عن الشعب وحقوق الشعب وعن القضية وجوهرها.
حول اللغة وحدود الموقف
سأكتفي هنا بنموذجين يتعلقان بالخطاب السياسي واللغة ومفردات النخب الفلسطينية، فحين تجري تسمية « جدار الفصل العنصري » او « جدار الابرتهايد » ففي الواقع فأن وصفه بالعنصرية او بالفصل العنصري هو أقل بكثير من هدفه كما حددته « اسرائيل »، وهو « الطف » بما لا يقاس من مدى اجراميته ومعاناة ضحاياه. بل أن إطلاق هذه التسمية عليه فذلك يأتي عوضا عن تسمية « بالجدار الاسرائيلي » مثلا أو وبمفهوم أشمل « الجدار الصهيوني »، وذلك يعكس التفافا على استحقاقات التسمية والتي تعني نزع شرعية المسمى به اي الصهيونية والمشروع الصهيوني في فلسطين. وجدير التأكيد أن الصهيونية سبق وأُدينت في الامم المتحدة حتى وان لم يعد القرار ساريا.
والمثال الاخر هو ما جرت تسميته « احداث أكتوبر » عوضا عن « انتفاضة القدس والاقصى » او « الانتفاضة الثانية بعد أكتوبر ». أن « أحداث أكتوبر هي تسمية اسرائيلية دخيلة على فلسطيني الـ 48 في حين تبنتها نخب اكاديمية وسياسية وقيادية في اوساط هذا الجزء من الشعب الفلسطيني. وهذه مقولة تعني الفصل بين فلسطيني الـ 48 وبين فلسطيني الضفة الغربية وقطاع غزة. أنها عملية تطويع للغة تعبّر عن مسعى لتطويع فلسطيني الـ 48 اسرائيليا ورسم الحدود داخل الشعب الفلسطيني وتشتيته وتشتيت قضيته العادلة وتشتيت انتفاضته التي ولاول مرة منذ العام 1948 تنطلق في كل الوطن الفلسطيني.
إن كلا المسميين المذكورين جرى استخدامهما بشكل وظيفي لتدارك « الحرج » عند البعض في تسمية الاشياء باسمها وبالاساس للحيلولة دون استحقاقات الخطاب غير الالتفافي- وبالذات في مسالة « الشرعية »- سواء شرعية اسرائيل ام شرعية القرار الفلسطيني بعد تغييب منظمة التحرير الفلسطينية واستحواذ السلطة الفلسطينية وليدة اتفاقيات أوسلو الظالمة على القرار الفلسطيني الفعلي. وجدير بي أن أعترف في هذا السياق انني سبق واستخدمت تسمية « الابارتهايد » للدلالة على جوهر اسرائيل، لكن « أحداث أكتوبر » كان وسيبقى مرفوضا ومهينا للناس- للشعب ولشهدائه. وفي استخدام تسمية الابرتهايد فان احدى الاشكاليات هي ان الابارتهايد ليس بالضرورة اسوأ من اسرائيل وان الصهيونية اكثر من حصرها في العنصرية والفصل العنصري. إنها تتشابه لكن أيضا تختلف.
« معذبو الأرض » وخطاب فانون « العالم ثالثي »
بروح « معذبو الارض » وما يؤكده فرانز فانون فإن دور « المثقف » والقائد هو ليس الصاق المسميات لاحداث صنعتها الناس في نضالها للتحرر القومي بل هو بنقل روح الجماهير الشعبية الثائرة والمنتفضة الى لغة الكلام والثقافة والخطاب والتحريض والتحرير. بل ان « تقدم الوعي القومي لدى الشعب يبدل ويوضح التعبير الادبي الذي يتولاه المثقف المستعمَر » وعن التحرر القومي يقول « كل شي في هذه المعركة يعتبر سلاحا، سواء كان التمثيل او الوعي او الثقافة، ولا يقتصر الامر على الامكانيات المادية فقط، لان تصفية الاستعمار تعتمد على الكائن البشري » ويضيف : « التحرر بالكفاح لا يزيل الاستعمار فحسب بل يزيل المستعمَر أيضا ». ويضيف فانون : « العدو يحاول تخريب الامة » ولذلك فان تصفية الاستعمار تعني انهاء المستعمَر وتحرره.يأتينا فانون بتجربة عربية افريقية في مقاومة الاستعمار والتحرر القومي. وهو يؤكد ان التحرر القومي « يجعل الامة حاضرة على مسرح التاريخ. ففي قلب الوعي القومي ينهض الوعي العالمي ويحيا وليس هذا البزوغ المزدوج في اخر الامر الا بؤرة كل ثقافة ».
غياب المدينة؟ وماذا عن غياب الريف؟
إن فانون البورتوريكي و »الجزائري » روحا واحد المناضلين الكبار في ثورة التحرر القومي الجزائري من الاستعمار الفرنسي، هو مثقف ومناضل وثائر، أورث في « معذبو الارض » مفاهيمه وفهمه وادراكه لجوهر نضال التحرر القومي ولجوهر الاستعمار ولجوهر الشعب المستعمَر.. انها تجربة متكاملة مع ان مشروعه الكتابي لم يكتمل اذا داهمه الموت وهو في الثلاثينات. ومع هذا فمن الظلم التعامل معه اليوم كمصدر للاقتباسات فحسب، بل انه يزودنا بقراءة عظيمة لروح المقاومة وكفاح التحرير ولروح الانطلاق العفوي ولروح الثقافة القومية والوعي القومي ولروح الشعب وبالذات اكثر الطبقات الشعبية صلابة وقوة في مقاومة الاستعمار حتى دحره، الا وهي طبقة الفلاحين في البلدان المستعمرة وليس البروليتاريا حسب فانون. ان هذه الطبقة (الفلاحين) هي الارضية الصلبة التي تلجا اليها المقاومة وتعيد انطلاقها معها حتى التحرير.
وهذا وبغض النظر عن التأييد او النقاش معه، فانه ينقلنا الى خطاب « الحداثة الفلسطيني » سواء في الوطن ام الشتات وبالذات فلسطيني الـ 48 والذي يؤكد ويشدد على « غياب المدينة » العربية الفلسطينية بمفهومها الثقافي والسياسي والحركة السياسية والمقاومة، لكنه قراءة فانون تجعلنا نتساءل بشكل اكثر الحاحا ان ما يعاني منه الشعب الفلسطيني وما ينقص مشروعه الحداثوي ليس فقط غياب « المدينة » او استعادتها بل ايضا غياب القرية والريف وتغيبهما في الخطاب الثقافي الفلسطيني والسياسي الفلسطيني ومن تجربة شعبنا الفلسطيني فلا احد يدافع عن الارض اكثر من اصحابها الفلاحين الصغار ولا احد يتالم لقطع المستعمرين لاشجار الزيتون اكثر من اصحاب الارض. ولا أحد يعاني من مشروع تهويد النقب أو بناء المستعمرات أكثر من أصحاب الأراضي. كل ذلك مع تاكيد ان القرية الفلسطينة لم تعد قرية عادية ولا الريف ريفا بل كلا الريف والمدينة تشوها. اما خطاب « الحداثة » فانه يحصر حدوده في فكرة « المدينة » وتجاهل الريف والقرية.
مشروع المدينة ومشروع الريف الفلسطيني
تُكثِر النخب الثقافية الفلسطينية وبالذات أنصار خطاب « الحداثة » و »ما بعد الحداثة »، من الحديث عن « غياب المدينة » ويحمّلون على هذا ضعف الحركة الوطنية، وحسب هذا المنطق فإن عودة نشوء « المدينة »، حتى ولو الافتراضية تلازمها نهضة وطنية.
وبكلمات أخرى، في احتلالها لفلسطين عام 1948 وما سبقه وما تلاه قامت الحركة الصهيونية ومشروعها الاستعماري –اسرائيل باقتلاع وتهجير غالبية الشعب الفلسطيني وتدمير ونهب عمرانه المادي والثقافي والروحاني. كما ركزت على محورين متكاملين وهما تدمير واقتلاع ونهب المدينة الفلسطينية وتدمير ونهب الريف القروي الفلسطيني. وما تبقى بعد 1948 هو نكبة متواصلة وضمن ذلك عشرات قليلة من القرى المشتته وبقايا أحياء فقر في المدن الساحلية، ولا يمكن اعتبار القرى والتجمعات المتبقيّة ريفا بمفهوم التكامل والتواصل، ولا بقايا المدن المنهوبة بعد التطهير العرقي مدناً.
يأتينا فانون بتجربة تؤكد قوة العمق الريفي لحركة مقاومة الاستعمار. ومن نماذج قوة الريف والمجتمع القروي الفلسطيني في الانتفاضة الاولى (1987)، وعمليا في كل المعارك دفاعاً عن الأرض والوجود وتوفير مقومات الصمود والمواجهة والمقاومة الشعبية. وكذلك يوم الأرض 1976، ناهيك عن التجربة الأوسع في سنوات الثلاثين والأربعين من القرن العشرين في مواجهة الإستعمار الصهيوني.
لكن إسرائيل أيضا تجاوزت هذا الأمر، ولم تكتف بإحتلال الريف الفلسطيني بل واصلت بشكل منهجي التعامل معه كغنائم « حرب » ونهب ما تبقى منه من خلال مصادرة اراضية وخنقه، في حين واصلت إقامة الريف الصهيوني من « الموشاب » و »الكيبوتس » وأنواع أخرى من المستعمرات، وحولت الفلاح الفلسطيني ومجمل طبقة الفلاحين الى عاملين في هذه المستعمرات في مجال الزراعة وعلى هامش الاقتصاد الاسرائيلي وعلى هامش المزارع الإسرائيلي. عمليا فإن الإستعمار الصهيوني تعلّم الدّرس من كل أشكال الإستعمار الذي سبقه وسعى لخلق « مصلحة » تبعية لمن تبقى من الفلاحين الفلسطينيين الذين تحوّلوا قسراً الى مواطني اسرائيل ولسيطرة استعمارية كاملة، وفرضت الدولة عليهم نظام رقابة وحكم عسكري وإرهاب قانوني قضائي وثقافي وديني وتشويه هوية. فالاستعمار حسب قراءة فانون وحسب تجربة التاريخ، يتعلم من الاستعمار الذي سبقه ويتغذَى منه. كما تحفزّنا قراءة فانون للمقاومة والتحرر ودور الريف، الى أنه في مجتمعات « العالم الثالث » والشعوب التي تخوض معركة التحرر الوطني من الاستعمار فهي بحاجة الى « المدينة » والى « الريف » ونهضة المدنية ونهضة الريف معاً لتتحول الى نهضة وهبّة كل الشعب.
البعد الافريقي والبعد العربي
خلال تعرّضه للتجربة الجزائرية والتجارب الافريقية الاخرى ينبّه فانون الى أن كل أمة مستقلة في أفريقيا ستظل مطوّقة تتربّص بها الأخطار في كل لحظة، الى أن تتحرّر أفريقيا كلها من « الإستعمار ». وهذا يعيدنا الى البعد العربي التحريري المغيّب لقضية فلسطين ولكل قضية عربية وطنية. وفي حين بدأت قضية فلسطين كقضية العرب في مواجهة الاستعمار العالمي حاضنة الصهيونية الاستعمارية، فقد حوّلتها حالة التشتيت الاستعماري للعرب والتشتت الذاتي للعرب الى قضية كما لو كان الانفصال عن البعد العربي أمراً طبيعيا أو مفروغا منه. وكما لو كان تحرير فلسطين لا علاقة له بتحرر العالم العربي والأمة العربية.
يربط فانون بين الثقافة الوطنية في كل بلد أفريقي وبين الثقافة الزنجية الأفريقية التي تشكل الحاضنة للثقافات الوطنية المنبثقة عنها، وهذه الثقافة الجامعة هي في صلب مشروع التحرير الواسع وجزء منه، وهكذا هي الثقافة العربية المتداخلة والمتقاطعة مع الثقافة الافريقية في شمال أفريقيا والمغرب العربي وشرق أفريقيا الشمالي، حيث تجمع هذه المناطق البعدين الثقافيين الافريقي والعربي. وهي أيضا أبعاد تخلّى عنها المشروع الفلسطيني بطبيعته الحالية.
لقد استهدف الاستعمار ولا يزال يستهدف أفريقيا والعالم العربي. وإذ أدركت قيادات ثورات التحرر الوطني والقومي في أواسط القرن الماضي، جوهر الصراع مع الاستعمار وقرروا مقاومته، واقامة المنظومات الدولية مثل دول عدم الانحياز التي ضمت بلدان « العالم الثالث » وأدركوا البعد الواسع الاقليمي والعالمي للتحرروتحرير الأمم كضمانة لحماية التحرر الوطني للشعوب، فإنّ الاستعمار لا يزول الا بالمقاومة لكن لا ننسى للحظة ان « العدو يحاول أن يخرب الأمة » ولا ينبغي أن نقع بالأوهام وكما أشار فانون « إن الأشكال الوحشية التي يكتسبها وجود المحتل قد تزول زوالا تاماً، والواقع ان زوالها هذا لا يعدو أن يكون إجراءً من أجل الحيلولة دون بعثرة قواته ». وهذا ليس بعيداً عن الواقع الفلسطيني وواقع الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي. ففي الواقع الاسرائيلي هناك مفردات مثل « اعادة الانتشار »، و »الانسحاب أحادي الجانب » و »اتفاقيات أوسلو » وغيرها. لكن ليس هذا ما يحسم المعركة لان الايام تتلو الايام.
« ولا ينبغي للمستعمَر المنخرط في الكفاح، ولا للشعب الذي يجب ان يستمر في مساندة الثورة، ان يتوقفا. يجب ان لا يتوهما ان الغاية قد تحققت وان الهدف قد تم الوصول اليه. يجب ان نشرح لهم الاهداف الحقيقية الذي يسعى الكفاح لتحقيقها. ويجب ان لا يتخيلوا ان بلوغ هذه الاهداف امر مستحيل » والحرب (التحرير الوطني) « ليست معركة واحدة كبيرة، وانما هي سلسلة من معارك محلية. ليس واحدة منها فاصلة في حقيقة الامر ».
ويبقى دوي تلك المقلة الهائلة مُلهماً للشعوب المستعمَرة وبشكل خاص للشعب الفلسطيني وهي قول فانون : « إن التحرر بالكفاح لا يزيل الاستعمار فحسب، بل يزيل المستعمَر » (بفتح الميم). لن يتوقف الشعب الفلسطيني عن النضال الى ان يزيل الاستعمار والى ان « يزيل المستعمَر » وينعتق ذاتيا كشعب حر في وطن محرر وسعيد.
كلمة شخصية : حين نتحدث عن مناضل اممي فان فرانز فانون قد جسد هذه التسمية بكامل تعريفها، وهو يعتبر من أبرز المنظرين لثورات التحرر الوطني مع انه لم يقدم نفسه كمنظر للثورات لكنه نقل في « معذبوالارض » تجربة عظيمة.
ولد فرانز فانون في جزر المارتينيك وحارب مع الفرنسيين ضد النازيين في جزر الدومينيك، والتحق لاحقا بالثورة الجزائرية كطبيب نفسي، لكن دوره كان كمناضل وثوري ووصل الى قمة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي.. جلّ رصيده الثقافي هو الموروث الذي يكشف جوهر الاستعمار وجوهر ثورة التحرر الوطني الجزائرية من وجهة نظرة كمناضل فيها وكمثقف نقلها الى شعوب العالم.
لم يكتمل مشروعه فقد داهمة المرض وتوفي في 6.12.1961 وهو في السادسة والثلاثين من عمره.
وتحية تقدير الى الصديقة ميريل فانون ماندس فرانس ابنه المناضل وسالكة دربه في دعم كفاح الشعوب من اجل العدالة والكرامة الانسانية والشعب الفلسطيني في كفاحه للتحرر الوطني. وترأس مؤسسة فرانز فانون في باريس.